فصل: المجلد الثامن عشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


أسئلة متنوعة عن الزكاة

1 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما المقصود بالزكاة في اللغة والشرع‏؟‏ وما العلاقة بين المفهومين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الزكاة في اللغة الزيادة والنماء، فكل شيء زاد عدداً، أو نما حجماً فإنه يقال له‏:‏ زكاة، فيقال‏:‏ زكَّى الزرع إذا نما وطاب، وأما في الشرع فهي‏:‏ التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعاً في مال معين لطائفة أو جهة مخصوصة‏.‏

والعلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي‏:‏ أن الزكاة وإن كان ظاهرها نقص كمية المال، لكن آثارها زيادة المال بركة وكمية، فإن الإنسان قد يفتح الله له من أبواب الرزق ما لا يخطر بباله، إذا قام بما أوجب الله عليه في ماله‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ وَمَآ ءاتَيْتُمْ مِّن زَكَوةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ‏}‏ ‏{‏يخلفه‏}‏ أي‏:‏ يأتي بخلفه وبدله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما نقصت صدقة من مال‏"‏، وهذا أمر مُشاهد فإن الموفقين لأداء ما يجب عليهم في أموالهم يجدون بركة فيما ينفقونه، وبركة في ما بقي عندهم، وربما يفتح الله لهم أبواب رزق يشاهدونها رأي العين بسبب إنفاقهم أموالهم في سبيل الله، ولهذا كانت الزكاة في الشرع ملاقية للزكاة في اللغة من حيث النماء والزيادة، ثم إن في الزكاة أيضاً زيادة أخرى وهي زيادة الإيمان في قلب صاحبها، فإن الزكاة من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة تزيد من إيمان الرجل؛ لأن مذهب أهـل السـنة والجماعـة أن الأعمـال الصالحـة من الإيمان، وأن الإيمان يزداد بزيادتها، وينقص بنقصها، وهي أيضاً تزيد الإنسان في خلقه فإنها بذل وعطاء، والبذل والعطاء يدل على الكرم والسخاء، والكرم والسخاء لا شك أنه خلق فاضل كريم، بل إن له آثاراً بالغة في انشراح القلب، وانشراح الصدر، ونور القلب وراحته، ومن أراد أن يطلع على ذلك فليجرب الإنفاق، يجد الااثار الحميدة التي تحصل له بهذا الإنفاق، ولاسيما فيما إذا كان الإنفاق واجباً مؤكداً كالزكاة، فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي التي تأتي كثيراً مقرونة بالصلاة التي هي عمود الإسلام، وهي في الحقيقة محك تبين كون الإنسان محبًّا لما عند الله عز وجل؛ لأن المال محبوب عند النفوس، وبذل المحبوب لا يمكن إلا من أجل محبوب يؤمن به الإنسان وبحصوله، ويكون هذا المحبوب أيضاً أحب مما بذله، ومصالح الزكاة وزيادة الإيمان بها وزيادة الأعمال وغير ذلك أمر معلوم يحصل بالتأمل فيه أكثر ما ذكرنا الاان‏.‏

* * *

2 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما آثار الزكاة التي تنعكس على المجتمع وعلى الاقتصاد الإسلامي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ آثار الزكاة على المجتمع وعلى الاقتصاد الإسلامي ظاهرة أيضاً، فإن فيها من مواساة الفقراء والقيام بمصالح العامة ما هو معلوم ظاهر من مصارف هذه الزكاة، فإن الله سبحانه وتعالى قال في مصارف هذه الزكاة‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏}‏ وهؤلاء الأصناف الثمانية منهم من يأخذها لدفع حاجته، ومنهم من يأخذها لحاجة المسلمين إليه، فالفقراء والمساكين والغارمون لأنفسهم، وابن السبيل والرقاب، هؤلاء يأخذون لحاجتهم، ومنهم من يأخذ لحاجة الناس إليه‏:‏ كالغارم لإصلاح ذات البين، والعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله، فإذا عرفنا أن توزيع الزكاة على هذه الأصناف يحصل بها دفع الحاجة الخاصة لمن أعطيها، ويحصل بها دفع الحاجة العامة عن المسلمين ـ عرفنا مدى نفعها للمجتمع ـ وفي الاقتصاد تتوزع الثروات بين الأغنياء والفقراء، حيث يؤخذ من أموال الأغنياء هذا القدر ليصرف للفقراء، ففيها توزيع للثروة حتى لا يحصل التضخم من جانب، والبؤس والفقر من جانب آخر، وفيها أيضاً من صلاح المجتمع ائتلاف القلوب، فإن الفقراء إذا رأوا من الأغنياء أنهم يمدونهم بالمال ويتصدقون عليهم بهذه الزكاة التي لا يجدون فيها منة عليهم، لأنها مفروضة عليهم من قبل الله، فإنهم بلا شك يحبون الأغنياء ويألفونهم، ويرجون ما أمرهم الله به من الإنفاق والبذل، بخلاف إذا ما شح الأغنياء بالزكاة، وبخلوا بها، واستأثروا بالمال، فإن ذلك قد يولد العداوة والضغينة في قلوب الفقراء، ويشير إلى هذا ختم الآية الكريمة التي بها بيان لمصالح الزكاة، يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ‏}‏‏.‏

* * *

3 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم الزكاة في الإسلام‏؟‏ ومتى فرضت‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام‏"‏ وهي فرض بإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشىء في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعلّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدًّا، وأما من منعها بخلاً وتهاوناً ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال‏:‏ إنه يكفر، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال‏:‏ إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال‏:‏ ‏"‏حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله‏:‏ إما إلى الجنة وإما إلى النار‏"‏‏.‏ وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلاً إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلاً وتهاوناً من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى في قوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَتِ وَالأَْرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏}‏‏.‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ‏}‏‏.‏ فعلى المرء المسلم أن يشكر الله على نعمته بالمال، وأن يؤدي زكاته حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء‏.‏

وأما قول السائل‏:‏ متى فرضت الزكاة‏؟‏

فجوابه‏:‏ أن الزكاة فرضت في أصح أقوال أهل العلم بمكة، ولكن تقدير الأنصبة والأموال الزكوية وأهل الزكاة كان بالمدينة‏.‏

* * *

4 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ‏}‏ فما المراد بالزكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِالأَْخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ ‏}‏ يحتمل معنيين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يراد بالزكاة زكاة النفس وهو تطهيرها من الشرك، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا‏}‏ فيكون قوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ‏}‏ تفسيراً لقوله‏:‏ ‏"‏للمشركين‏"‏ بمعنى الذين لا يؤتون أنفسهم زكاتها بالتخلي عن الشرك ووسائله‏.‏

الاحتمال الثاني‏:‏ أن يكون المراد بالزكاة زكاة المال، ويكون تركهم للزكاة وتركهم البذل من أوصافهم، وإن كان هذا ليس بزكاة لأنـه بالنسبة لهم لا يقبل منهم زكاة ولا غيرها ماداموا على شركهم‏.‏

* * *

5 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن شروط وجوب الزكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ شروط وجوب الزكاة‏:‏ الإسلام والحرية، وملك النصاب، واستقراره، ومضي الحول إلا في المعشرات‏.‏

فأما الإسلام فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة، ولا تقبل منه لو دفعها باسم الزكاة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ‏}‏‏.‏

ولكن ليس معنى قولنا‏:‏ إنها لا تجب على الكافر ولا تصح منه أنه معفي عنها في الآخرة بل إنه يعاقب عليها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ‏}‏ وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام، وهو كذلك‏.‏

وأما الحرية فلأن المملوك لا مال له، إذ أن ماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع‏"‏‏.‏ فهو إذن غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قدر أن العبد ملك بالتمليك فإن ملكه في النهاية يعود لسيده؛ لأن سيده له أن يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ليس بمستقر استقرار أموال الأحرار، فعلى هذا تكون الزكاة على مالك المال، وليس على المملوك منها شيء، ولا يمكن أن تسقط الزكاة عن هذا المال‏.‏

وأما ملك النصاب‏:‏ فمعناه أن يكون عند الإنسان مال يبلغ النصاب الذي قدره الشرع، وهو يختلف باختلاف الأموال، فإذا لم يكن عند الإنسان نصاب فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ماله قليل لا يحتمل المواساة‏.‏

والنصاب في المواشي مقدر ابتداءً وانتهاءً، وفي غيرها مقدر ابتداءً وما زاد فبحسابه‏.‏

وأما مضي الحول‏:‏ فلأن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يستلزم الإجحاف بالأغنياء، وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في حق الفقراء، فكان من حكمة الشرع أن يقدر لها زمن معين تجب فيه وهو الحول، وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الأغنياء وحق أهل الزكاة‏.‏

وعلى هذا فلو مات الإنسان مثلاً، أو تلف المال قبل تمام الحول سقطت الزكاة، إلا أنه يستثنى من تمام الحول ثلاثة أشياء‏:‏

الأول‏:‏ ربح التجارة‏.‏

الثاني‏:‏ نتاج السائمة‏.‏

الثالث‏:‏ المعشرات‏.‏

أما ربح التجارة فإن حوله حول أصله، وأما نتاج السائمة فحول النتاج حول أمهاته، وأما المعشرات فحولها وقت تحصيلها والمعشرات هي الحبوب والثمار‏.‏

مثال ذلك في الربح أن يشتري الإنسان سلعة بعشرة آلاف ريال، ثم قبل تمام حول الزكاة بشهر تزيد هذه السلعة، أو تربح نصف الثمن الذي اشتراها به، فيجب عليه زكاة رأس المال وزكاة الربح، وإن لم يتم للربح حول لأنه فرع، والفرع يتبع الأصل‏.‏

وأما النتاج مثل أن يكون عند الإنسان من البهائم نصاب ثم في أثناء الحول يتوالد هذا النصاب حتى يبلغ نصابين، فيجب عليه الزكاة للنصاب الذي حصل بالنتاج وإن لم يتم عليه الحول، لأن النتاج فرع فيتبع الأصل‏.‏ وأما المعشرات فحولها حين أخذها مثل الحبوب والثمار، فإن الثمار في النخل مثلاً لا يتم عليه الحول حين يجز فتجب الزكاة عند جزه، وكذلك الزرع يزرع ويحصد قبل أن يتم عليه الحول، فتجب الزكاة عند حصاده، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ‏}‏ فهذه الأشياء الثلاثة تستثنى من قولنا‏:‏ إنه يشترط لوجوب الزكاة تمام الحول‏.‏

* * *

6 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ذكر الشيخ عبدالرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ في الفتاوى ص 302 هذه الجملة‏:‏ ‏(‏الزكاة تصير على رأس المال منه، وعلى المصلحة إن كان هو حال وإلا فبقسطه‏)‏ فما معنى قول الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ معنى قول الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ أن الدين إن كان حالاًّ وجبت زكاة أصله وربحه، وإن كان مؤجلاً وجبت زكاة أصله، أما ربحه فيجب بقسطه، فمثلاً إذا بعت عليه ما يساوي ألفاً ًبألف ومائتين إلى سنة، وكان حول زكاة الألف يحل في نصف السنة وجب عليك زكاة ألف ومائة فقط عند تمام حول الألف، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يلزم من زكاة الربح إلا ما تم حوله، وقد سبق ما يدل على وجوب الزكاة في الربح وإن لم يتم حوله؛ لأنه تبع لأصله لا يشترط له تمام الحول؛ ولأن الدين ثابت كله بأصله وربحه، والله أعلم‏.‏

* * *

7 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا كان عند الإنسان بيت أو دكان يؤجره فهل يبدأ حول الأجرة للزكاة من حين العقد أو من استلام الأجرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يبتدىء حول الزكاة من العقد؛ لأن الأجرة تثبت بالعقد ـ وإن كانت لا تستقر إلا باستيفاء المنفعة ـ فإذا استوفى المنفعة وقبض الأجرة وقد تم لها سنة أي العقد وجب عليه إخراج زكاتها، وأما إذا قبضها في نصف السنة وأنفقها قبل أن تتم السنة فليس عليه زكاة فيها، فإذا قدر أنه أجر هذا الدكان بعشرة آلاف، ولما مر ستة أشهر أخذ خمسة آلاف ثم أنفقها، فإن الخمسة التي أخذها ليس فيها زكاة؛ لأنها لم يتم عليها الحول من العقد، وأما الخمسة الباقية التي يأخذها عند تمام الحول فعليه زكاتها؛ لأنها تم عليها الحول من العقد‏.‏

* * *

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

س 1‏:‏ والدنا توفي من مدة سنة وخمسة شهور وعنده أراضي، ولما توفي أصبحت الأراضي ملك الورثة، وبعد وفاته بستة شهور قام الورثة ببيع الأراضي وقسموا الورث فيما بينهم، وهذه المبالغ قسمت مدة خمسة شهور هل يزكى على هذه المبالغ وهي لم تكمل سنة‏؟‏

س 2‏:‏ أيهما أفضل الوضوء بماء بارد أو بماء دافىء في الشتاء‏؟‏

أفتونا جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جـ 1‏:‏ لا زكاة عليكم حتى يحول الحول

جـ 2‏:‏ الوضوء بالماء الدافىء أفضل‏.‏

أملاه محمد الصالح العثيمين في 11/9/2141هـ‏.‏

8 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن رجل مات وترك مالاً ولم يحل عليه الحول، وظل هذا المال فترة لم يوزع على الورثة فهل إذا حال الحول عليه تخرج زكاته‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أما بالنسبة للميت الذي مات قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليه، لأنه مات قبل الوجوب، فلا يقضى عنه‏.‏

أما بالنسبة للورثة فالذي يبلغ نصيبه نصاباً عليه الزكاة إذا تم الحول على موت مورثه، والذي ماله قليل لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يكمله به فإنه لا زكاة عليه‏.‏

* * *

9 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يشترط في الزكاة مضي الحول فما كيفية إخراج زكاة الرواتب الشهرية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أحسن شيء في هذا أنه إذا تم حول أول راتب استلمه فإنه يؤدي زكاة ما عنده كله، فما تم حوله فقد أخرجت زكاته في الحول، وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة لا شيء فيه، وهذا أسهل عليه من كونه يُراعي كل شهر على حدة، لكن إن كان ينفق راتب كل شهر قبل أن يأتي راتب الشهر الثاني فلا زكاة عليه؛ لأن من شروط وجوب الزكاة في المال أن يتم عليه الحول‏.‏

* * *

01 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هناك استحقاقات لبعض الموظفين العاملين في قطاعات الدولة المختلفة، وهذه الاستحقاقات لا يتم صرفها لمستحقيها ـ في بعض الأحيان ـ إلا بعد مضي عدة سنوات، فهل تجب فيها الزكاة‏؟‏ وهل تكون الزكاة لسنة واحدة فقط‏؟‏ أم تجب لمجموع السنوات التي أمضتها هذه المبالغ لدى الدولة‏؟‏ وفي حالة كون صاحب الاستحقاق عليه دين فهل يزكي على ما استلم من استحقاق وما تبقى يسدد به الدين‏؟‏ أم تسقط عنه الزكاة لسداد دينه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا قبض الموظف ماله عند الحكومة فإن كان قبل تمام السنة فلا زكاة فيه حتى تتم عليه سنة، وإن قبضه بعد تمام السنة فإنه يزكيه مرة واحدة، سواء مضى عليه سنة واحدة أو سنتان أو أكثر‏.‏ وسواء كان عليه دين أم لم يكن؛ لأن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال التي بيد المدين على القول الراجح‏.‏ قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 4/6/0141هـ‏.‏

* * *

11 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم زكاة الديون‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الديون التي في ذمة الناس سواء كانت ثمناً لمبيع، أو أجرة، أو قرضاً، أو قيمة متلف أو أرش جناية، أو غير ذلك مما يثبت في الذمة تنقسم إلى قسمين‏:‏

الأول‏:‏ أن تكون مما لا تجب الزكاة في عينه كالعروض بأن يكون عند الإنسان لشخص ما مئة صاع من البر أو أكثر، فهذا الدين لا زكاة فيه، وذلك لأن الزروع أو الحبوب لا تجب الزكاة في عينها إلا لمن زرعها‏.‏

وأما الثاني‏:‏ فهي الديون التي تجب الزكاة في عينها كالذهب والفضة، وهذا فيه الزكاة على الدائن لأنه صاحبه، ويملك أخذه والإبراء منه فيزكيه كل سنة إن شاء زكاه مع ماله، وإن شاء أخر زكاته، وأخرجها إذا قبضه، فإذا كان لشخص عند آخر مائة ألف فإن من له المئة يزكيها كل عام، أو فإن الزكاة تجب على من هي له كلها لكنه بالخيار‏:‏ إما أن يخرج زكاتها مع ماله، وإما أن ينتظر حتى يقبضها ثم يزكيها لما مضى، هذا إذا كان الدين على موسر، فإن كان الدين على معسر فإن الصحيح أن الزكاة لا تجب فيه؛ لأن صاحبه لا يملك المطالبة به شرعاً، فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ فهو حقيقة عاجز شرعاً عن ماله فلا تجب عليه الزكاة فيه، لكن إذا قبضه فإنه يزكيه سنة واحدة فقط، وإن بقي في ذمة المدين عشر سنوات؛ لأن قبضه إياه يشبه تحصيل ما خرج من الأرض يزكى عند الحصول عليه، وقال بعض أهل العلم‏:‏ لا يزكيه لما مضى، وإنما يبتدىء به حولاً من جديد، وما ذكرناه أحوط وأبرأ للذمة أنه يزكيه عن سنة واحدة لما مضى، ثم يستأنف به حوله، والأمر في هذا سهل، وليس من الصعب على الإنسان أن يؤدي ربع العشر من دينه الذي قبضه بعد أن أيأس منه، فهذا من شكر نعمة الله عليه بتحصيله‏.‏ هذا هو القول في زكاة الديون‏.‏

والخلاصة أنه ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ لا زكاة فيه‏:‏ وهو إذا كان الدين مما لا تجب الزكاة في عينه، مثل أن يكون في ذمة شخص لآخر أصواع من البر أو كيلوات من السكر أو من الشاي وما أشبه ذلك، فهذا لا زكاة فيه حتى ولو بلغ النصاب‏.‏

القسم الثاني‏:‏ الدين الذي تجب الزكاة في عينه كالذهب والفضة، ولكنه على معسر فهذا لا زكاة فيه إلا إذا قبضه، فإنه يزكيه لسنة واحدة، ثم يستأنف به حولاً، وقيل‏:‏ إنه يستأنف به حولاً على كل حال، ولكن ما قلناه أولى لما ذكرنا من التعليل‏.‏

القسم الثالث‏:‏ ما فيه الزكاة كل عام، وهو الدين الذي تجب فيه الزكاة لعينه، وهو على موسر، فهذا فيه الزكاة كل عام، ولكن إن شاء صاحب الدين أن يخرج زكاته مع ماله، وإن شاء أخرها حتى يقبضه من المدين‏.‏

* * *

21 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن الديون التي في ذمم الناس هل فيها زكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانت الديون على مليء ففيها الزكاة كل عام، لكن صاحبها بالخيار‏:‏ إن شاء أخرج الزكاة مع زكاة ماله، وإن شاء أخر زكاة الديون حتى يقبضها، فيزكيها لكل ما مضى‏.‏

أما إذا كانت الديون على غير مليء فلا زكاة فيها على القول الراجح، لكن إذا قبضها يؤدي زكاة سنة واحدة‏.‏

* * *

31 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ لي أمانة عند رجل منذ أربع سنوات وزكيت عنها ثلاث سنوات، وطلبت الأمانة التي ادخرتها عنده في السنة الأخيرة فلم يعطني شيئاً منها، هل تجب الزكاة في السنة الأخيرة أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الأمانة التي للإنسان عند الناس هي في الحكم الموجود في ماله، يجب عليه أن يزكيها إلا إذا منع منها، بمعنى أن الذي كانت عنده قد أنفقها وكان فقيراً، فإنه لا يجب عليك أن تؤدي زكاتها؛ لأن الدين الذي في ذمة الفقراء ليس فيه زكاة لكن إذا قبضتها فزكاها لسنة واحدة، وذلك لأن الديون التي في ذمة الفقراء يجب على أصحابها أن ينظروا هؤلاء الفقراء، وأن لا يطلبوا منهم الوفاء، ولا يطالبوهم به، فإنه لا يجوز للإنسان إذا كان له مدين فقير لا يجوز له أن يقول له‏:‏ أعطني ديني، ولا يتكلم إليه ولا بربع كلمة، لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏‏.‏ ومن المؤسف جداً أن يكون في بعض هذه الأمة من يشبهون اليهود في أكل الربا والعياذ بالله؛ فإن بعض الناس يأكلون الربا ويظلمون الناس، إذا حل الدين على الفقير الذي لا يستطيع وفاءه، ذهب هذا الطالب يتحيل على قلب الدين على الفقير فيدينه ليوفيه ويقلب عليه الدين، أو يقول‏:‏ استدن من فلان وأوفني‏.‏ ثم إذا أوفاه دينه مرة ثانية ليوفي الدائن الثاني، وهكذا حتى تنقلب المئات إلى ألوف، والألوف إلى مئات الألوف، ومئات الألوف إلى الملايين على هذا الفقير المعدم‏.‏ وهؤلاء والعياذ بالله عصوا الله عز وجل فلم يخافوا منه، ولم يرحموا هؤلاء الفقراء، والواجب عليك إذا كان لك عند فقير معسر دين أن تسكت ولا تطلب منه الدين ولا تطالبه به، وأنت إذا طالبته أو طلبته منه فإنك عاصٍ لله عز وجل‏.‏

* * *

41 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عندي مبلغ خمسون ألف ريال، وأعطيتها والدي ليحفظها وعندما قلت لوالدي‏:‏ أخرج الزكاة عني‏.‏ قال‏:‏ إني قد صرفتها وسأعطيك بدلاً منها فيما بعد‏.‏ فهل علَّي زكاة أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسألة مثل المسألة السابقة في الحقيقة، والظاهر من السؤال أن والده أنفقها أخرج هذه الدراهم وبقيت في ذمته، فإذا كانت في ذمة الوالد فمن العلماء من يقول‏:‏ إن الدين الذي على الوالد لا زكاة فيه؛ لأنه لا يمكن الولد مطالبة أبيه بالدين، فهو كالدين الذي على المعسر، فلا يجب على الإنسان أن يؤدي زكاة دين كان على أبيه؛ لأنه لو أراد أن يطلبه من أبيه أو يطالبه به لم يتمكن من ذلك شرعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنت ومالك لأبيك‏"‏‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ إن الدين الذي في ذمة الوالد إذا لم ينوِ الوالد تملك هذه الدراهم فإنه تجب زكاته، والاحتياط أن يخرج زكاة الدين الذي في ذمة أبيه، لاسيما إذا كان أبوه موسراً وسهلاً لو أراد أن يستوفيه ولده أعطاه إياه بسرعة، فإنه ينبغي أن تجب الزكاة فيه حينئذ، وهذا أحسن وأولى أن يؤدي الزكاة عن الدين الذي في ذمة أبيه، إلا أن يكون الأب معسراً فإن كان معسراً فإنه كغيره من المدينين المعسرين لا تجب الزكاة في الديون التي عليهم‏.‏

* * *

51 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن زكاة الدين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يجب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه؛ لأنه ليس في يديه، ولكن إن كان الدين على موسر فإن عليه زكاته كل سنة، فإن زكاها مع ماله فقد برئت ذمته، وإن لم يزكها مع ماله وجب عليه إذا قبضها أن يزكيها لكل الأعوام السابقة، وذلك لأن الموسر يمكن مطالبته فتركه باختيار صاحب الدين، أما إذا كان الدين على معسر أو غني لا يمكن مطالبته فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة، وذلك لأنه لا يمكنه الحصول عليه، فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏، فلا يمكن أن يستلم هذا المال وينتفع به فليس عليه زكاته، ولكن إذا قبضه فمن أهل العلم من يقول‏:‏ يستقبل به حولاً من جديد، ومنهم من يقول‏:‏ يزكي لسنة واحدة، وإذا دارت السنة يزكيه أيضاً، وهذا أحوط‏.‏ والله أعلم‏.‏

* * *

61 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا كانت جميع مستحقاتي من مشاريع سواء لدى الحكومة أو لدى الأفراد متأخرة وليس لديّ سيولة إلا من خلال الاقتراض من البنوك بزيادة ربوية فهل يحق لي أن أدفع الزكاة منها أو أنتظر حتى استلام مستحقاتي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يجوز أخذ القرض أصلاً من البنك مع زيادة ربوية؛ لأنه حرام طالما هو بفائدة فكيف يدفع منها الزكاة‏؟‏

* * *

71 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ معروف أن صوامع الغلال تستلم محصول القمح والشعير كل عام ثم تقوم بدورها باستقطاع الزكاة وتقوم بتسليم المزارع قيمة المحصول في نفس العام هذا في السنوات الماضية‏.‏ أما الآن فإن قيمة المحصول تبقى لدى الصوامع لعدة سنوات فهل قيمة المحصول هذا تجب فيها الزكاة عن سنة واحدة أم عن كل السنوات الماضية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا تجب الزكاة فيما عند الحكومة سواء قيمة زرع أو أجرة أو أي شيء آخر حتى تقبضه فإذا قبضته فزكي سنة واحدة حتى لو بقي عند الدولة خمس أو عشر سنوات أو أكثر زكه سنة واحدة فقط، وجه ذلك لأن بقاءه عند الحكومة قد تأخر لظروف لا يستطيع صاحب الحق أن يستوفيه‏.‏

* * *

81 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة مؤخر صداقها ثلاثة آلاف ريال، وتقول‏:‏ إذا أخرجت الزكاة كل عام فسينفد عن قريب فما العمل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان الزوج فقيراً فلا تزكي ما في ذمته من المهر، وهكذا كل دين، فالدين الذي في ذمة فقير لا زكاة عليه؛ لأن صاحب الدين لا يستطيع أن يستوفيه؛ لأن الفقير يجب إنظاره ولا يجوز طلبه ولا مطالبته ولا حبسه، بل يجب إذا علم الإنسان أن مدينه معسر أن يعرض عنه ولا يطلب منه الوفاء ولا يجوز أن يحبس على ذلك‏.‏

* * *

91 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يصح تأجيل صداق المرأة‏؟‏ وهل هو دين على الرجل يلزم بدفعه‏؟‏ وهل تجب الزكاة فيه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصداق المؤجل جائز ولا بأس به؛ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَْنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ‏}‏، والوفاء بالعقد يشمل الوفاء به وبما شرط فيه‏.‏

فإذا اشترط الرجل تأجيل الصداق أو بعضه فلا بأس، ولكن يحل إن كان قد عين له أجلاً معلوماً، فيحل بهذا الأجل، وإن لم يؤجل فيحل بالفرقة‏:‏ بطلاق، أو فسخ، أو موت، ويكون ديناً على الزوج يطالب به بعد حلول أجله في الحياة، وبعد الممات كسائر الديون‏.‏

وتجب الزكاة على المرأة في هذا الصداق المؤجل إذا كان الزوج ملياً، وإن كان فقيراً فلا يلزمها زكاة‏.‏

ولو أخذ الناس بهذه المسألة وهي تأجيل المهر لخفف كثيراً على الناس في الزواج‏.‏

ويجوز للمرأة أن تتنازل عن مؤخر الصداق إن كانت رشيدة، أما إن أكرهها أو هددها بالطلاق إن لم تفعل فلا يسقط؛ لأنه لا يجوز إكراهها على إسقاطه‏.‏

* * *

02 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل يقول‏:‏ إذا دينت مبلغاً من المال في رمضان فهل يجب علَّي إخراج زكاة المصلحة ‏(‏الغائبة‏)‏ أو بعدما يحول عليها الحول‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يجب عليه إخراج زكاة الغائبة، وذلك أن الدين قد ثبت في ذمة المدين بأصله وربحه، ولذلك لو مات المدين ثبت للدائن الحق كاملاً في ذمته، وحل تأجيله ـ على المذهب ـ إذا لم يوثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء، فمثلاً إذا بعت على شخص سلعة تساوي ألفاً بألف ومائتين إلى سنة، ومات المشتري بعد عقد البيع بشهر واحد أو بيوم واحد ثبت لك في تركته ألف ومائتان كاملة حالة غير مؤجلة إلا أن يوثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء فإنها تبقى كاملة مؤجلة إلى أجلها، كما أنه لو أراد المشتري أن ينقد لك الثمن قبل حلول أجله وطلب منك أن تسقط مقابل الأجل من الربح لم يلزمك قبول ذلك بل لك الحق أن تقول‏:‏ لا أقبله الآن إلا كاملاً، وإلا فيبقى إلى أجله، ولك أن تتعجل وتسقط على القول الصحيح، والمذهب‏:‏ يجوز لك أن تتعجل لكن بدون إسقاط، فإذا تبين أن هذا الربح ملك لك لا يمكن أن يسقط إلا باختيارك وأنه لو وجد ما يوجب حلوله لحل كاملاً، فلماذا لا تجب زكاته وإن لم يحل أجله، ثم إن هذه الغائبة ـ كما يقولون ـ ربح للأصل، وقد نص العلماء على أن ربح التجارة لا يشترط له تمام الحول، وأن حوله حول أصله، ولذلك لو اشتريت عروضاً بألف ريال وقبل تمام الحول بأسبوع فقط زادت قيمتها حتى بلغت عند الحول ألفين وجب عليك زكاة الألفين كلها‏.‏

وبعد فلعلك تعرف أن الدين وإن وجبت زكاته فإنه لا يجب إخراجها إلا بعد قبضه، فإذا قبضه زكاه لما مضى عن جميع السنوات إن كان المدين غنيًّا، أو عن سنة واحدة سنة قبضه إن كان المدين فقيراً‏.‏

* * *

12 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ بعت على شخص سيارة وبقي لي عنده خمسة آلاف ولها سنوات، والشخص اختفى لا أدري أين هو، هل أزكي عنها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الدين الذي على معسر ليس فيه زكاة، إلا إذا قبضته فإنك تزكيه سنة واحدة، والآن مادمت لا تعرف أين ذهب الرجل فليس عليك زكاة‏.‏

* * *

22 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عندي مبلغ من المال مرت عليه ثلاث سنوات ولم أزكه، فكيف أزكيه‏؟‏ ولمن تدفع الزكاة‏؟‏ ومتى تخرج‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ زكاة المال الواجبة مقدارها في الذهب والفضة ربع العشر، بمعنى أن تقسم ما لديك على أربعين، فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، وإذا كنت تركت الزكاة ثلاث سنوات فاقسم المال على أربعين، والناتج يكون زكاة السنة الأولى، ثم اقسمه على أربعين لتخرج زكاة السنة الثانية، ثم اقسمه على أربعين لتخرج زكاة السنة الثالثة‏.‏

وأما من تدفع إليهم الزكاة فقد ذكرهم الله في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏}‏ فيعطي الفقراء والمساكين ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة، ويعطي الغارمين منها ما يوفون به ديونهم‏.‏

وأما وقت إخراج الزكاة فإنه إذا تم للمال الزكوي سنة، فإنه تخرج زكاته، إلا زكاة الثمار والحبوب فإن وقت إخراجها وقت حصادها، ولكنها تجب إذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر كما هو معروف عند أهل العلم‏.‏

* * *

32 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا كان الدين عند أناس فقراء واستمر مدة من الزمن فهل عليه زكاة‏؟‏ وعن أي سنة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانوا فقراء فليس عليك زكاة إلا إذا قبضته لو بقي عشر سنين، تُزكِّيه لسنة واحدة ـ السنة الحاضرة فقط ـ وإذا كان عند أغنياء يمكنك أن تقول‏:‏ أعطوني مالي‏.‏ ويعطونك إياه، فهذا تُزكيه كل سنة، ولكن أنت بالخيار‏:‏ إن شئت أخرجت زكاته مع مالك قبل أن تقبضه منهم، وإن شئت انتظرت حتى تأخذه، وفي هذه الحال لو فُرض أنك انتظرت حتى تأخذ ثم افتقروا ولم يوفوا فليس عليك زكاة‏.‏

* * *

42 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل تجب الزكاة في المال المرهون‏؟‏ وهل في القرض زكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المال المرهون تجب الزكاة فيه إذا كان مالاً زكوياً، لكن يخرجها الراهن منها إذا وافق المرتهن، مثال ذلك‏:‏ رجل رهن ماشية من الغنم ـ والماشية مال زكوي ـ رهنها عند إنسان، فالزكاة فيها واجبة لابد منها؛ لأن الرهن لا يسقط الزكاة، ويخرج الزكاة منها، لكن بإذن المرتهن‏.‏

وأما القرض فقد سبق لنا أن القرض إذا كان على غني باذل ففيه الزكاة كل سنة، وإذا كان على فقير فليس فيه زكاة لو بقي عشر سنين إلا إذا قبضه فيزكيه بسنة واحدة‏.‏

* * *

52 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم دفع الزكاة للمدين المعسر‏؟‏ وهل في الدين زكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ دفع الزكاة إلى المدين المعسر الذي لا يجد الوفاء أو دفعها إلى غريمه جائز ومجزىء؛ لأن الآية الكريمة تدل على هذا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏}‏ فالتعبير مختلف بين الأربعة الأول، وبين الأربعة الأخر‏.‏

الأربعة الأول كان التعبير باللام الدالة على التمليك، فلابد أن تملكهم، أي‏:‏ تعطيهم الزكاة وتتركهم يفعلون ما شاءوا، وفي الأربعة الأخر كان التعبير بفي، وهي للظرفية لا للتمليك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏}‏ ‏{‏الغارمين‏}‏‏:‏ معطوف على الرقاب، فيكون التقدير ‏"‏في‏"‏ وعلى هذا فيجوز أن تذهب إلى الغريم الذي يطالب الفقير وتوفي عنه‏.‏

ولكن هنا مسألة‏:‏ هل الأولى أن أذهب إلى الغريم وأوفيه دون أن أعطي الفقير، أو أن أعطي الفقير‏؟‏

هذا فيه تفصيل‏:‏ إذا علمت أن الفقير الذي تريد القضاء عنه رجل ديِّن يحبُّ إبراء ذمته، وأنك إذا أعطيته سوف يذهب إلى صاحبه ويوفيه فأعطه هو؛ لأن ذلك أجبر لخاطره، وأبعد من الخجل، وأسلم من الرياء الذي قد يصيب الإنسان، فكونك تعطي المدين في هذه الحال أولى‏.‏

أما إذا خفت أن يكون المدين متلاعباً تعطيه ليوفي، لكن يذهب فيلعب بها أو يشتري كماليات أو غيرها فلا تعطها إياه، بل اذهب إلى صاحبه الذي يطلبه وأوفه‏.‏

وأما زكاة الديون فقد سبق الكلام عنها‏.‏

* * *

62 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أقرض شخص شخصاً آخر كيف يزكي عن هذا‏؟‏ ولو تأخر ثلاث سنين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الدَّين فيه تفصيل‏:‏ إذا كان الدين على معسر فلا زكاة فيه ولو بقي عشر سنوات، لكن إذا قبضته فتؤدي زكاة سنة واحدة فقط‏.‏

أما إذا كان على غني باذل وامتدت المدة فتزكيه كل سنة لكنك بالخيار‏:‏ إن شئت تدفع زكاته مع مالك كل سنة، وإن شئت إذا قبضته تزكي لما مضى، وأستحب أن تزكيه مع مالك، لأنه ربما يموت الإنسان ويتهاون الورثة في إخراج الزكاة‏.‏ وربما يحصل أشياء تمنع الزكاة‏.‏ فإذا أديته مع مالك يكون اطمئناناً لقلبك، أما إذا ماطل الغني، فإن كان لا يمكن مطالبته كالأب مثلاً وكالسلطان والأمير المتسلط وما أشبه ذلك فهو كالمعسر ليس فيه زكاة إلا سنة قبضه‏.‏

وأما إذا ماطل وهو يمكن مطالبته تشكوه على الأمير ويسلمك، فهذا عليك الزكاة فيه؛ لأن الأمر باختيارك‏.‏

* * *

72 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا استغرق الدين جميع المال فهل فيه زكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم‏:‏ منهم من يرى أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة؛ لأن عمومات النصوص لم تفرق بين مدين وغيره، ولأن الزكاة إنما تجب في المال لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه إلى اليمن‏:‏ ‏"‏أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‏"‏ فالزكاة واجبة في المال ومتعلقة به، والمال موجود بين يديه، والدين في ذمته، فقد اختلف المحل‏:‏ الدين في الذمة، والزكاة في المال، والمال موجود يتصرف فيه الإنسان تصرف الملاك في أمالكهم تصرفاً حرًّا، فتجب الزكاة عليه في هذا المال ولو كان عليه مقداره من الدين‏.‏ ومن العلماء من قال‏:‏ إنه إذا كان على الرجل دين بمقدار ما بيده من المال الزكوي فإنه لا زكاة عليه، وليس لهم دليل من الأثر فيما أعلم، وإنما عندهم نظر، ومعنى يقولون‏:‏ إن الزكاة وجبت مواساة‏.‏ فإذا كانت وجبت للمواساة فإن المدين ليس أهلاً لها؛ لأن المال الذي بيده هو في الحقيقة لغيره لوجوب وفائه فليس أهلاً لأن يكون ممن يجب عليه مواساة إخوانه الفقراء‏.‏

ومن العلماء من فصَّل في هذا وقال‏:‏ إذا كان المال ظاهراً فإن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيه، والمال الظاهر هو الذي ليس يخزن في الصناديق وراء الإبواب مثل الماشية والثمار والزروع، قالوا‏:‏ فهذه وإن كان على صاحبها دين فيجب عليه إخراج زكاتها؛ لأنها أموال ظاهرة تتعلق بها أطماع الفقراء، والدين أمر خفي لا يعلم، فيجب أن تؤدى الزكاة من هذه الأموال الظاهرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يرسل السعاة لقبض الزكاة من هذه الأموال ولم يستفصل أهلها‏:‏ هل عليهم دين أو ليس عليهم دين‏.‏

والأموال الباطنة كالذهب والفضة والأوراق النقدية إذا كان على صاحبها دين بمقدار ما عنده منها لا زكاة عليه فيه‏.‏

والأرجح عندي‏:‏ أن الزكاة تجب في المال ظاهراً أو باطناً ولو كان على صاحبه دين يستوعبه، وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الأموال، وكوننا نعلل بأن الزكاة مؤاساة، لا يوجب تخصيص هذه العمومات، والزكاة تلاحظ فيها العبادة أكثر مما تلاحظ المواساة؛ لأنها ركن من أركان الإسلام، والمواساة علة مستنبطة قد تكون من مراد الشارع، وقد لا تكون من مراد الشارع، اللهم إلا إذا كان الدين حالاًّ ويُطالب به، وأراد أن يوفيه فحينئذ نقول‏:‏ أوف الدين، ثم زك ما يبقى بعده إذا بلغ نصاباً، ويؤيد ذلك ما قاله فقهاء الحنابلة في الفطرة فإنهم قالوا‏:‏ لا يمنعها الدين إلا بطلبه، وكذلك الأثر المروي عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقول في شهر رمضان‏:‏ ‏"‏هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه‏"‏ فهذا يدل على أن الدين إذا كان حالاًّ وصاحبه يريد قضاءه قدمه على الزكاة، أما الديون المؤجلة فإنها لا تمنع وجوب الزكاة بلا ريب‏.‏

* * *

82 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن الدين الذي يكون في ذمة الناس هل فيه زكاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الدين الذي يكون في ذمة الناس، إما أن يكون عند الأغنياء أو عند الفقراء، فإن كان عند الفقراء فليس فيه زكاة، إلا إذا قبضته تُزكيه لسنة واحدة، وأما الدين الذي عند الأغنياء ففيه زكاة كل سنة، ولكن إن أحببت أخرجت زكاته قبل القبض، وإن أحببت أخرجت زكاته بعد القبض‏.‏

* * *

92 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ شخص عنده رأس مال قدره مائتا ألف ريال وعليه دين قدره مائتا ألف ريال بحيث يدفع منه كل سنة عشرة آلاف فما هو الحكم في ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم تجب الزكاة في المال الذي في يده، وذلك لأن النصوص الواردة في وجوب الزكاة عامة، ولم تستثنِ شيئاً، لم تستثنِ مَن عليه دين‏.‏ وإذا كانت النصوص عامة وجب أن نأخذ بها، ثم إن الزكاة واجبة في المال، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال‏:‏ ‏"‏أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم‏"‏ فبين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة في المال، وليست في ذمة الإنسان، والدين واجب في ذمته، فالجهة منفكة، وإذا كانت الجهة منفكة فإن أحدهما لا يجب على الآخر، وإذا لم يجب أحدهما على الآخر لم يوجد التعارض، وعلى هذا فتجب زكاة المال الذي بيدك والدين واجب في ذمتك، فهذا له وجهة، وهذا له وجهة، فعلى المرء أن يتقي ربه ويخرج الزكاة عما في يده، ويستعين الله تعالى في قضاء الدين الذي عليه، ويقول‏:‏ اللهم اقضِ عني الدين واغنني من الفقر‏.‏ وربما يكون أداء زكاة المال الذي بيده سبباً في بركة هذا المال ونمائه، وتخليص ذمته من الدين، وربما يكون منع الزكاة منه سبباً في فقره، وكونه يرى نفسه دائماً في حاجة وليس من أهل الزكاة، واحمد الله عز وجل أن جعلك من المعطين ولست من الآخذين، ثم إن تعليل بعض العلماء الذين يقولون‏:‏ إن الدين يسقط الزكاة تعليلهم ذلك بأن الزكاة وجبت مواساة، والمدين ليس أهلاً لها نقول‏:‏ لا نستطيع أن نجزم أن الزكاة وجبت مواساة، بل الزكاة وجبت بما فيها من عبادة الله عز وجل، ولما فيها من كبح النفس عن الشح، ولما في ذلك من سد الحوائج العامة والخاصة بالمسلمين، ولهذا وجب صرفها في سبيل الله، وليس ذلك من باب المواساة، فالجزم بأن العلة هي المواساة وأن المدين ليس أهلاً لها هذا يحتاج إلى نص من الكتاب والسنة، وليس في ذلك نص، بل إن النصوص تدل على أن الزكاة إنما وجبت لأنها عبادة عظيمة يتقي بها الإنسان الشح، ويتعبد بها الإنسان لله تعالى، ويعرف بها تفضيل عبادة الله وتقديمها على هوى نفسه ومحبته للمال، وتسد بها حاجات عظيمة خاصة وعامة‏.‏

* * *

03 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ أنا رجل صاحب عقارات أبيع وأشتري، وقد يحين علّي وقت الزكاة إلا أن علّي ديوناً للآخرين‏.‏‏.‏ فكيف أزكي عقاراتي التي دار عليها الحول مع وجود الديون علّي أرجو بيان ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل، وذلك أن القول الراجح عندي أن الزكاة تجب على من عنده مال زكوي‏.‏ ولو كان عليه دين، وأن الدين لا يمنع الزكاة نهائيًّا، لأن الدين واجب في الذمة، فهو واجب على المدين؛ سواء بقي معه المال الزكوي أو لم يبق‏.‏ حتى ولو تلف المال الذي معه كله، فإن الذمة تبقى مشغولة بهذا الدين، فلا علاقة لهذا الدين بالمال الذي بين يديه‏.‏

وأما الزكاة فإنها واجبة في المال، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ حينما بعثه إلى اليمن‏:‏ ‏"‏أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‏"‏، ثم إن عموم الأدلة في الأموال الزكوية ليس فيها استثناء من عليه دين، وعلى هذا فمن أسقطوا الزكاة بالدين فعليهم بالدليل‏.‏ ولا دليل لهم إلا أنهم قالوا‏:‏ تجب الزكاة مواساة، والمدين ليس من أهل المواساة، فنقول‏:‏ ليست للمواساة فقط، بل كما قال عز وجل‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏‏.‏

فإنها تطهر الإنسان من البخل، وتزكي أعمالهم وتنميها قبل كل شيء، أما المواساة فهي في المرتبة الثانية، ويدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ‏:‏ ‏"‏تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم‏"‏ فهذا يشير إلى أن من حكمة الزكاة أن تسد حاجة الفقراء، ولكنها ليست هي الحكمة الأساسية‏.‏

وعلى هذا فنقول‏:‏ إن المدين تجب عليه الزكاة في ماله، فيعطي الفقير منها، أو من الأصناف الثمانية المذكورين في سورة التوبة، فإذا احتاج المدين إلى ما يسدد دينه يعطى من الزكاة، لأن الغارم الذي لا يجد ما يسد ما عليه من ديون هو من أهل الزكاة، هذا هو القول الراجح في المسألة‏.‏

فنقول للأخ‏:‏ جميع الأموال الزكوية أخرج ما عليها من زكاة، والديون سيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ‏}‏‏.‏ والله الموفق‏.‏

* * *

13 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل تصح صدقة المدين‏؟‏ وماذا يسقط عن المدين من الحقوق الشرعية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعاً، والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها، والإنسان مثاب عليها، وكل امرىء في ظل صدقته يوم القيامة، وهي مقبولة سواء كان على الإنسان دين أم لم يكن عليه دين، إذا تمت فيها شروط القبول، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل، ومن كسب طيب، ووقعت في محلها، فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية، ولا يشترط أن لا يكون على الإنسان دين، لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده فإنه ليس من الحكمة ولا من العقل أن يتصدق ـ والصدقة مندوبة وليست بواجبة ـ ويدع ديناً واجباً عليه، فليبدأ أولاً بالواجب ثم يتصدق‏.‏

وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق جميع ماله‏:‏ فمنهم من يقول‏:‏ إن ذلك لا يجوز له؛ لأنه إضرار بغريمه، وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنه يجوز، ولكنه خلاف الأولى، وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده أن يتصدق حتى يوفي الدين؛ لأن الواجب مقدم على التطوع‏.‏

وأما الحقوق الشرعية التي يعفى عنها من عليه دين حتى يقضيه‏:‏

فمنها الحج، فالحج لا يجب على الإنسان الذي عليه دين حتى يوفي دينه‏.‏

أما الزكاة فقد اختلف أهل العلم‏:‏ هل تسقط عن المدين أو لا تسقط‏؟‏

فمن أهل العلم من يقول‏:‏ إن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين، سواء كان المال ظاهراً أم غير ظاهر‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ إن الزكاة لا تسقط فيما يقابل الدين، بل عليه أن يزكي جميع ما في يده ولو كان عليه دين ينقص النصاب‏.‏

ومنهم من فصّل فقال‏:‏ إن كان المال من الأموال الباطنة التي لا ترى ولا تشاهد‏:‏ كالنقود وعروض التجارة فإن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين، وإن كان المال من الأموال الظاهرة‏:‏ كالمواشي والخارج من الأرض فإن الزكاة لا تسقط‏.‏

والصحيح عندي أنها لا تسقط، سواء كان المال ظاهراً أم غير ظاهر، وأن كل من في يده مال مما تجب فيه الزكاة فعليه أن يؤدي زكاته ولو كان عليه دين، وذلك لأن الزكاة إنما تجب في المال؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ حينما بعثه إلى اليمن‏:‏ ‏"‏أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‏"‏‏.‏ والحديث في البخاري بهذا اللفظ، وبهذا الدليل من الكتاب والسنة تكون الجهة منفكة، فلا تعارض بين الزكاة وبين الدين؛ لأن الدين يجب في الذمة، والزكاة تجب في المال، فإذاً كلٌّ منهما يجب في موضع دون ما يجب فيه الآخر، فلم يحصل بينهما تعارض ولا تصادم، وحينئذٍ يبقى الدين في ذمة صاحبه، وتبقى الزكاة في المال يخرجها منه بكل حال‏.‏

* * *

23 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يقول السائل‏:‏ أنا تاجر أملك رأس مال خاص بي، وعندي دين بضاعة من المؤسسات أقوم بتقدير جميع ما أملك بالإضافة إلى الدين الذي عندي للمؤسسات، وأزكي عليها جميعاً في نهاية العام، فقال لي بعض الناس‏:‏ اخصم الدين الذي عندك للناس وزكِّ رأس المال الصافي؛ لأن الناس سيقومون بزكاة مالهم الذي عندك‏.‏ لذا أرجوك يا فضيلة الشيخ حسم هذا الموضوع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا الموضوع لا يمكن حسمه في الواقع؛ لأن العلماء مختلفون في هذه المسألة‏:‏ إذا كان عند الإنسان مال يتجر به وعليه دين يقابل هذا المال‏:‏ فهل يخصم الدين من المال الذي عنده أو لا يخصمه، في هذا للعلماء أقوال ثلاثة، والذي يظهر لي أن الواجب زكاة المال الذي بيده، بدون أن يخصم الدين، فإذا قدر أن رجلاً عنده مال يساوي مائة ألف، وعليه دين قدره خمسون ألفاً، يزكي على القول الذي اخترناه مائة ألف، ولا يخصم منها الدين الذي كان عليه‏.‏

وعلى القول الثاني‏:‏ يزكي عن خمسين ألفاً، ويخصم مقدار الدين الذي عليه‏.‏

وقول ثالث يقول‏:‏ إن الأموال الظاهرة لا تخصم منها الديون، والأموال الباطنة تخصم منها الديون والأموال الباطنة هي الذهب والفضة وعروض التجارة؛ لأن هذه يتصرف فيها الإنسان دون أن تظهر للناس‏.‏

والأموال الظاهرة هي بهيمة الأنعام والخارج من الأرض من الحبوب والثمار‏.‏ يقول‏:‏ هذه لا يخصم منها الدين، فإذا قدر أن شخصاً عنده نخل وثمره يساوي عشرة آلاف ريال، وعليه دين يبلغ خمسة آلاف ريال، فإن هذا الدين لا يخصم، ويجب عليه أن يزكي جميع الثمر، وكذلك لو كان عنده مائة من الإبل وعليه دين يستغرق خمسين بعيراً فإنه يجب أن يزكي جميع المائة‏.‏ وحجة هذا القول الذي يفرق بين المال الظاهر والباطن؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث العمال لأخذ الزكاة فيأخذونها بدون أن يستفصلوه‏:‏ هل على صاحبها دين أم لا‏؟‏

ولكن‏:‏ الذي يترجح عندي أن كل من بيده مال فإنه يجب عليه إخراج زكاته، سواء كانت ذمته سالمة من الدين أم مشغولة بالدين‏.‏

* * *

33 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن امرأة كان عندها ذهب يبلغ النصاب، وفي أثناء الحول أبدلته بذهب آخر فهل ينقطع الحول، وتحسب الحول من وقت الإبدال أو لا ينقطع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا ينقطع الحول في هذه المسألة؛ لأن هذه المرأة أبدلت الذهب بجنسه‏.‏

* * *

43 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن رجل توفي وفي ذمته زكاة‏:‏ فهل تخرج وتقدم على قسمة التركة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان هذا الرجل المسؤول عنه يخرج الزكاة في حياته، ولكن تم الحول ومات، فعلى الورثة إخراج الزكاة، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء‏"‏‏.‏

وأما إذا كان تعمد ترك إخراج الزكاة ومنعها بخلاً فهذا محل خلاف بين العلماء ـ رحمهم الله ـ والأحوط ـ والله أعلم ـ أن الزكاة تخرج، لأنه تعلق بها حق أهل الزكاة فلا تسقط، وقد سبق حق أهل الزكاة في هذا المال حق الورثة، ولكن لا تبرأ ذمة الميت بذلك؛ لأنه مصر على عدم الإخراج، والله أعلم‏.‏

* * *